روائع مختارة | روضة الدعاة | فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) | ماذا تريدون.. من الجمهور؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) > ماذا تريدون.. من الجمهور؟


  ماذا تريدون.. من الجمهور؟
     عدد مرات المشاهدة: 2437        عدد مرات الإرسال: 0

شهد الواقع المعاصر ألوانا من التمرد على قوى عظمى ليس آخرها الاتحاد السوفييتي، وشاهد الناس الجماهير المحتشدة وهي تحتل الساحات العامة ويملأ سيلها المتدفق الشوارع الكبيرة والأحياء والسهول والوديان.

كما شاهد الناس تلك السواعد العارية وهي تمتد في الهواء وتلك الصدور التي أنهكها الاستبداد وهي توجه الجنود المسلحين الذين يمتطون صهوات دباباتهم ويتكئون على قوة النظام والسلطة والقانون، وهذا يمنحهم قوة نفسية تضاف إلى قوة السواعد وقوة السلاح.

وبهذه الاندفاعات الجماهيرية المشهودة تهاوت عروش وسقطت إمبراطوريات كان يظن بأنها قوى لا تقهر، وأنها معمّرة طويلا طويلا.

ومع التسليم بوجود خفي لأجهزة المخابرات العالمية في بعض ما جرى إلا أن هذا الدور يجب أن يكون محدودا ومحصورا في قنوات محددة كالتشجيع والتأييد المعلن وغير المعلن بما في ذلك الزخم الإعلامي، ثم في محاولة تسيير الأحداث في الاتجاه الذي يخدم مصالح هذه الدولة أو تلك.

ولعله يمكن الإشارة هنا إلى ما كشفت عنه التقارير الصحفية من وجود أصابع للفاتيكان بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية في أحداث بولندا منذ عام 1981 م، تلك الأحداث التي كانت تمثل بداية المواجهات الجماهيرية في وجه دكتاتورية الحزب الواحد المتسلط (الشيوعية).

إذا فالدور الرئيس يكمن في غليان الجماهير وتوجه قناعاتها إلى فساد أحوالها وضرورة البحث عن حل لها.

صحيح أنها في الغالب عمياء يمكن أن يسيرها هذا أو ذاك ولكنها في الواقع تفعل وتفعل الكثير.

إن من يفلح في مخاطبتها ويلوح لها بطوق النجاة ويعدها بحل مشكلاتها ويهيمن على عقولها وقلوبها يمتلك زمامها فتذعن له وتندفع في الطريق الذي يشير إليه، وقناعتها في الأشخاص والرموز تسبق قناعاتها الموضوعية المبنية على الدراسة والتأمل والتفكير وهذه مسألة يجب أن يفقهها العاملون للإسلام ويدركوها من شأن العامة في كل زمان ومكان، فهم لن يتحولوا إلى علماء أو مفكرين أو دعاة ولكنهم أدوات صالحة نافعة مثمرة متى أحسن استثمارها وأحسن صقلها.

وليس يجوز أن يترك أمر الناس للمفسدين الذين يخادعون الناس بزخرف القول ومعسول الكلام ويعدونهم ويمنونهم وما يعدونهم إلا غرورا. فلطالما هتفت جماهير من أهل القبلة وربما من جمهور المسجد لشيوعي أو بعثي أو ناصري أو منافق وهي لا تدري، وليست هذه الجماهير هي الملومة وحدها، وإن كانت ملومة دون شك، ولكن جزءا كبير من اللوم يجب أن يتجه إلى دعاة الإسلام وعلمائه وحملة العلم الذين تخلوا عن مخالطة هذه الجموع وزهدوا فيها واستصغروا شأنها وتركوا أمرها- وهي قطاع كبير من الأمة- لغير الراشدين.

ولطالما ردد الكثير عبارات التنقيص لهؤلاء الناس والتزهيد في أمرهم وأنهم إن أحبوا لم ينفعوا وإن أبغضوا لم يضروا، وأن سيوفهم مع أمراء الباطل ولو كانت قلوبهم مع علماء الحق وأنهم دهماء همج.. إلخ

وهذا إن فهمناه على وجهه من أنهم لا يستقلون بالفهم والتفكير والاستنباط، ولا يملكون القيم والمعايير الموضوعية السليمة فهو صحيح في الغالب، مع أن لترديد تلك الألفاظ وما شابهها أثر سلبي يستدعي الكف عنها ولو كان لها وجه صحيح.

أما إن فهمناه على أنهم لا شأن لهم ولا قيمة فهو خطأ فادح من الناحية الشرعية، ومن الناحية التاريخية ومن الناحية الواقعية.

فمن الناحية الواقعية مرَّ ذكر شيء من أثر توجه العامة من أهل الشرك والإلحاد والفجور إلى أمر ما.. وقدرتهم على تغيير النظم وزعزعة العروش وتحطيم الإمبراطوريات الكبيرة.. أفيظن بأهل (لا إله إلا الله) أنهم أعجز من أولئك وأقل أثرا؟

وهل القوة والبأس والحدة حكر على أولئك العلوج؟

اللهم إن رجال التوحيد- ولو كانوا من العامة- أرزن وأكثر تأملا في العواقب ولديهم من الدين ما يزعهم عن كثير من الفعائل التي تدعو إليها الطبيعة لولا خوف الله جل وعلا.

ولا يبعد أن يكون منهم في هذا العصر من الوهن والضعف ومصادرة ولاة السوء لإنسانيتهم وكفاءتهم.. ولكن هم مع ذلك على خير كثير.

ومن الناحية التاريخية فهم وقود الحرب والثورات والساعد القوي المتين للحضارات والإنجازات والسواد الأعظم الذي يعتصم به المصلحون- بعد اعتصامهم بالله جل وعلا- في وجه التحديات والمغالبات فهم عماد الجيوش وحراس الثغور.

أما من الناحية الشرعية فهم بشر مكلفون مخاطبون مجزيون، ثم هم بعد ذلك مسلمون موحدون لكل واحد منهم حق المسلم على أخيه، وفيهم الصالحون والمؤمنون والمنفقون والمستغفرون بالأسحار، وفيهم مستجاب الدعوة المغمور الذي لو أقسم على الله لأبره، وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ابغوني ضعفاءكم، هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ بدعائهم واستغفارهم» رواه البخاري. وهم جل الأتباع الذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآهم حين عرضت عليه الأمم كما في حديث عمران بن حصين في صحيح مسلم وهم سواد قد سد الأفق..

فكيف غفل الكثيرون عن هؤلاء وتجاهلوا هذا الجم الغفير الذي ينفع بإذن الله وينفع؟

الكاتب: د. سلمان بن فهد العودة.

المصدر: موقع طريق الإسلام.